فصل: فصل وأما صاحبه الصدر الفخر الرومي فإنه لا يقول أن الوجود زائد على الماهية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **


  فصل الأصل الثاني لمذهب ابن عربي

الأصل الثاني لمذهب ابن عربي هذا أحد أصلي ابن عربي‏.‏

وأما الأصل الآخر فقولهم أن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه‏.‏

وهذا انفردوا به عن جميع مثبتة الصانع من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والمشتركين وإنما هو حقيقة قول فرعون والقرامطة المنكرين لوجود الصانع كما سنبينه إن شاء الله‏.‏

فمن فهم هذا فهم جميع كلام ابن عربي نظمه ونثره وما يدعيه من أن الحق يغتذي بالخلق لأن وجود الأعيان معتمد بالأعيان الثابتة في العدم ولهذا يقول بالجمع من حيث الوجود وبالفرق من حيث الماهية والأعيان ويزعم أن هذا هو سر القدر لأن الماهيات لا تقبل إلا ما هو ثابت لها في العدم في أنفسها فهي التي أحسنت وأساءت وحمدت وذمت والحق لم يعطها شيئاً إلا ما كانت عليه في حال العدم‏.‏

فتدبر كلامه كيف انتظم شيئين‏:‏ إنكار وجود الحق وإنكار خلقه لمخلوقاته فهو منكر للرب الذي خلق فلا يقر برب ولا بخلق ومنكر لرب العالمين فلا رب ولا عالمون مربوبون إذ ليس إلا أعيان ثابتة ووجود قائم بها فلا الأعيان مربوبة ولا الوجود مربوب ولا الأعيان مخلوقة ولا الوجود مخلوق‏.‏

وهذا يفرق بين المظاهر والظاهر والمجلي والمتجلي لأن المظاهر عنده هي الأعيان الثابتة في العدم وأما الظاهر فهو وجود الخلق‏.‏

  فصل وأما صاحبه الصدر الفخر الرومي فإنه لا يقول أن الوجود زائد على الماهية

وأما صاحبه الصدر الفخر الرومي فإنه لا يقول أن الوجود زائد على الماهية فإنه كان أدخل في النظر والكلام من شيخه لكنه أكفر وأقل علماً وإيماناً وأقل معرفة بالإسلام وكلام المشايخ‏.‏

ولما كان مذهبهم كفراً كان كل من حذق فيه كان أكفر فلما رأى أن التفريق بين وجود الأشياء وأعيانها لا يستقيم وعنده أن الله هو الوجود ولا بد من فرق بين هذا وهذا فرق بين المطلق والمعين فعنده أن الله هو الوجود المطلق الذي لا يتعين ولا يتميز وأنه إذا تعين وتميز فهو الحق سواء تعين في مرتبة الإلهية أو غيرها‏.‏

وهذا القول قد صرح فيه بالكفر أكثر من الأول وهو حقيقة مذهب فرعون والقرامطة وإن كان الأول أفسد من جهة تفرقته بين وجود الأشياء وثبوتها وذلك أنه على القول لأول يمكن أن يجعل للحق وجوداً خارجاً عن أعيان الممكنات وأنه فاض عليها فيكون فيه اعتراف بوجود الرب القائم بنفسه الغني عن خلقه وإن كان فيه كفر من جهة أنه جعل المخلوق هو الخالق والمربوب هو الرب بل لم يثبت خلقاً أصلاً ومع هذا فما رأيته صرح بوجود الرب متميزاً عن الوجود القائم بأعيان الممكنات‏.‏

وأما هذا فقد صرح بأنه ما ثم سوى الوجود المطلق الساري في الموجودات المعينة‏.‏

والمطلق ليس له وجود مطلق فما في الخارج جسم مطلق بشرط الإطلاق ولا إنسان مطلق ولا حيوان مطلق بشرط الإطلاق بل لا يوجد إلا في شيء معين والحقائق لها ثلاث اعتبارات‏:‏ اعتبار العموم والخصوص والإطلاق فإذا قلنا‏:‏ حيوان عام أو إنسان عام أو جسم عام ووجود عام فهذا لا يكون إلا في العلم واللسان وأما الخارج عن ذلك فما ثم شيء موجود في الخارج يعم شيئين ولهذا كان العموم من عوارض صفات الحي فيقال‏:‏ علم عام وإرادة عامة وغضب عام وخبر عام وأمر عام ويوصف صاحب الصفة بالعموم أيضاً كما في الحديث الذي في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعلي وهو يدعو فقال ‏"‏ يا علي عم فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض ‏"‏ وفي الحديث أنه لما نزل قوله ‏)‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏(‏ عم وخص‏.‏

رواه مسلم من حديث موسى بن طلحة عن أبي هريرة وتوصف الصفة بالعموم كما في حديث التشهد ‏"‏ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإذا قلتم ذلك فقد أصابت كل عبد صالح لله في السماء والأرض ‏"‏‏.‏

وأما إطلاق من أطلق أن العموم من عوارض الألفاظ فقط فليس كذلك إذ معاني الألفاظ القائمة بالقلب أحق بالعموم من الألفاظ‏.‏

وسائر الصفات‏:‏ الإرادة والحب والبغض والغضب والرضاء يعرض لها من العموم والخصوص ما يعرض للقول وإنما المعاني الخارجة عن الذهن هي الموجودة في الخارج كقولهم‏:‏ مطر عام وخصب عام‏.‏

هذه التي تنازع الناس‏:‏ هل وصفها بالعموم حقيقة أو مجاز على قولين ‏)‏أحدهما‏(‏ مجاز لأن كل جزء من أجزاء المطر والخصب لا يقع إلا حيث يقع الآخر فليس هناك عموم وقيل بل حقيقة لأن المطر المطلق قد عم‏.‏

وأما الخصوص فيعرض لها إذا كانت موجودة في الخارج فإن كل شيء له ذات وعين تختص به ويمتاز بها عن غيره أعني الحقيقة العينية الشخصية التي لا اشتراك فيها مثل‏:‏ هذا الرجل وهذه الحبة وهذا الدرهم وما عرض لها في الخارج فإنه يعرض لها في الذهن‏.‏

فإن تصور الذهنية أوسع من الحقائق الخارجية فإنها تشمل الموجود والمعدوم والممتنع والمقدرات‏.‏

وأما الإطلاق فيعرض لها إذا كانت في الذهن بلا ريب فإن العقل يتصور إنساناً مطلقاً ووجوداً مطلقاً‏.‏

وأما في الخارج فهل يتصور شيء مطلق هذا فيه قولان المطلق له وجود في الخارج فإنه جزء من المعين وقيل لا وجود له في الخارج إذ ليس في الخارج إلا معين مقيد والمطلق الذي يشترك فيه العدد لا يكون جزءاً من المعين الذي لا يشركه فيه‏.‏

والتحقيق أن المطلق بلا شرط أصلاً يدخل فيه المقيد المعين وأما المطلق بشرط الإطلاق فلا يدخل فيه المعين المقيد وهذا كما يقول الفقهاء‏:‏ الماء المطلق فإنه بشرط الإطلاق فلا يدخل فيه المضاف‏.‏

فإذا قلنا‏:‏ الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏ طهور وطاهر ونجس فالثلاثة أقسام الماء‏.‏

الطهور هو الماء المطلق الذي لا يدخل ما ليس بطهور كالعصارات والمياه النجسة‏.‏

فالماء المقسوم هو المطلق لا بشرط والماء الذي هو قسيم للمائين هو المطلق بشرط الإطلاق‏.‏

لكن هذا الإطلاق والتقييد الذي قاله الفقهاء في اسم الماء إنما هو في الإطلاق والتقييد اللفظي وهو ما دخل في اللفظ المطلق كلفظ ماء أو في اللفظ المقيد كلفظ ماء نجس أو ماء ورد‏.‏

وأما ما كان كلامنا فيه أولاً فإنه الإطلاق والتقييد في معاني اللفظ ففرق بين النوعين‏.‏

فإن الناس يغلطون لعدم التفريق بين هذين غلطاً كثيراً جداً وذلك أن كل اسم فإما أن يكون مسماه معيناً لا يقبل الشركة كأنا وهذا وزيد ويقال له المعين والجزء وإما أن يقبل الشركة فهذا الذي يقبل الشركة هو المعنى الكلي المطلق وله ثلاث اعتبارات كما تقدم‏.‏

وأما اللفظ المطلق والمقيد فمثال تحرير رقبة ولم تجدوا ماء وذلك أن المعنى قد يدخل في مطلق اللفظ ولا يدخل في اللفظ المطلق أي يدخل في اللفظ لا بشرط الإطلاق ولا يدخل في اللفظ بشرط الإطلاق كما قلنا في لفظ الماء وأن الماء يقال على المني وغيره كما قال ‏)‏من ماء دافق‏(‏ ويقال‏:‏ ماء الورد لكن هذا لا يدخل في لفظ الماء عند الإطلاق لكن عند التقييد‏.‏

فإذا أخذ القدر المشترك بين لفظ الماء المطلق ولفظ الماء المقيد فهو المطلق بلا شرط الإطلاق فيقال‏:‏ الماء ينقسم إلى مطلق ومضاف ومورد التقسيم ليس له اسم مطلق لكن بالقرينة يقتضي الشمول والعموم وهو قولنا الماء ثلاثة أقسام‏.‏

فهنا أيضاً ثلاثة أشياء‏:‏ مورد التقسيم وهو العام وهو المطلق بلا شرط ولكن ليس له لفظ مفرد إلا لفظ مؤلف والقسم المطلق وهو اللفظ بشرط إطلاقه والثاني المقيد وهو اللفظ بشرط تقييده‏.‏

وإنما كان كذلك لأن المتكلم باللفظ إما أن يطلقه أو يقيده ليس له حال ثالثة فإذا أطلقه كان له مفهوم وإذا قيده كان له مفهوم ثم إذا قيده إما أن يقيده بقيد العموم أو بقيد الخصوص‏.‏

فقيد العموم كقوله‏:‏ الماء ثلاثة أقسام وقيد الخصوص كقوله‏:‏ ماء الورد‏.‏

وإذا عرف الفرق بين تقييد اللفظ وإطلاقه وبين تقييد المعنى وإطلاقه عرف أن المعنى له ثلاثة أحوال‏:‏ إما أن يكون أيضاً مطلقاً أو مقيداً بقيد العموم أو مقيداً بقيد الخصوص والمطلق من المعاني نوعان‏:‏ مطلق بشرط الإطلاق ومطلق لا بشرط وكذلك الألفاظ المطلق منها قد يكون مطلقاً بشرط الإطلاق كقولنا الماء المطلق والرقبة المطلقة وقد يكون مطلقاً لا بشرط الإطلاق كقولنا إنسان‏.‏

فالمطلق المقيد بالإطلاق لا يدخل فيه المقيد بما ينافي الإطلاق فلا يدخل ماء الورد في الماء المطلق‏.‏

وأما المطلق لا بقيد فيدخل فيه المقيد كما يدخل الإنسان الناقص في اسم الإنسان‏.‏

فقد تبين أن المطلق بشرط الإطلاق من المعاني ليس له وجود في الخارج فليس في الخارج إنسان مطلق بل لا بد أن يتعين بهذا أو ذاك وليس فيه حيوان مطلق وليس فيه مطر مطلق بشرط الإطلاق‏.‏

وأما المطلق بشرط الإطلاق من الألفاظ كالماء المطلق فمسماه موجود في الخارج لأن شرط الإطلاق هنا في اللفظ فلا يمنع أن يكون معناه معيناً وبشرط الإطلاق هناك في المعنى والمسمى المطلق بشرط الإطلاق لا يتصور إذ لكل موجود حقيقة يتميز بها وما لا حقيقة له يتميز بها ليس بشيء وإذا كان له حقيقة يتميز بها فتمييزه يمنع أن يكون مطلقاً من كل وجه فإن المطلق من كل وجه لا تمييز له فليس لنا موجود هو مطلق بشرط الإطلاق ولكن العدم المحض قد يقال هو مطلق بشرط الإطلاق إذ ليس هناك حقيقة تتميز ولا ذات تتحقق حتى يقال تلك الحقيقة تمنع غيرها بحدها أن تكون إياها وأما المطلق من المعاني لا بشرط فهذا إذا قيل بوجوده في الخارج فإنما يوجد معيناً متميزاً مخصوصاً والمعين المخصوص يدخل في المطلق لا بشرط ولا يدخل في المطلق بشرط الإطلاق إذ المطلق لا بشرط أعم ولا يلزم إذا كان المطلق بلا شرط موجوداً في الخارج أن يكون المطلق المشروط بالإطلاق موجوداً في الخارج لأن هذا أخص منه فإذا قلنا‏:‏ حيوان أو إنسان أو جسم أو وجود مطلق فإن عنينا به المطلق بشرط الإطلاق فلا وجود له في الخارج وإن عنينا المطلق لا بشرط فلا يوجد إلا معيناً مخصوصاً فليس في الخارج شيء إلا معين متميز منفصل عما سواه بحده وحقيقته‏.‏

فمن قال‏:‏ إن وجود الحق هو الوجود المطلق دون المعين فحقيقة قوله أنه ليس للحق وجود أصلاً ولا ثبوت إلا نفس الأشياء المعينة المتميزة والأشياء المعينة ليست إياه فليس شيئاً أصلاً‏.‏

وتلخيص النكتة أنه لو عني به المطلق بشرط الإطلاق فلا وجود له في الخارج فلا يكون للحق وجود أصلاً وإن عني به المطلق بلا شرط فإن قيل بعدم وجوده في الخارج فلا كلام وإن قيل بوجوده فلا يوجد إلا معيناً فلا يكون للحق وجود إلى وجود الأعيان‏.‏

فيلزم محذوران ‏)‏أحدهما‏(‏ أنه ليس للحق وجود سوى وجود المخلوقات ‏)‏والثاني‏(‏ التناقض وهو قوله أنه الوجود المطلق دون المعين‏.‏

فتدبر قول هذا فإنه يجعل الحق في الكائنات بمنزلة الكلي في جزئياته وبمنزلة الجنس والنوع والخاصة والفصل في سائر أعيانه الموجودة الثابتة في العدم‏.‏

وصاحب هذ القول يجعل المظاهر والمراتب في المتعينات كما جعله الأول في الأعيان‏.‏

  فصل وأما التلمساني ونحوه فلا يفرق بين ماهية ووجود ولا بين مطلق ومعين

وأما التلمساني ونحوه فلا يفرق بين ماهية ووجود ولا بين مطلق ومعين بل عنده ما ثم سوى ولا غير بوجه من الوجه وإنما الكائنات أجزاء منه وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر وآخر البيت من البيت فمن شعرهم‏:‏ البحر لا شك عندي في توحده وإن تعدد بالأمواج والزبد فلا يغرنك ما شاهدت من صور فالواحد الرب ساري العين في العدد ومنه‏:‏ فما البحر إلى الموج لا شيء غيره وإن فرقته كثرة المتعدد ولا ريب أن هذا القول هو أحق في الكفر والزندقة فإن التمييز بين الوجود والماهية وجعل المعدوم شيئاً أو التمييز في الخارج بين المطلق والمعين وجعل المطلق شيئاً وراء المعينات في الذهن قولان ضعيفان باطلان وقد عرف من حدد النظر أن من جعل في هذه الأمور الموجودة في الخارج شيئين ‏)‏أحدهما‏(‏ وجودها ‏)‏والثاني‏(‏ ذواتها أو جعل لها حقيقة مطلقة موجودة زائدة على عينها الموجودة فقد غلط غلطاً قوياً واشتبه عليه ما يأخذه من العقل من المعاني المجردة المطلقة عن التعيين ومن الماهيات المجردة عن الوجود الخارجي بما هو موجود في الخارج من ذلك ولم يدر أن متصورات العقل ومقدراته أوسع مما هو موجود حاصل بذاته كما يتصور المعدومات والممتنعات والمشروطات وبقدر ما لا وجود له البتة مما يمكن أو لا يمكن ويأخذ من المعينات صفات مطلقة فيه‏.‏

فإن الموجودات ذوات متصورة فيه لكن هذا القول أشد جهلاً وكفراً بالله تعالى فإن صاحبه لا يفرق بين المظاهر والظاهر ولا يجعل الكثرة والتفرقة إلا في ذهن الإنسان لما كان محجوباً عن شهود الحقيقة فلما انكشف غطاؤه عاين أنه لم يكن غير وإن الرائي عين المرئي والشاهد عين المشهود‏.‏

  فصل في المقالات لا أعرفها لأحد من أمة قبل هؤلاء

واعلم أن هذه المقالات لا أعرفها لأحد من أمة قبل هؤلاء على هذا الوجه ولكن رأيت في بعض كتب الفلسفة المنقولة عن أرسطو أنه حكى عن بعض الفلاسفة قوله‏:‏ أن الوجود واحد ورد ذلك وحسبك بمذهب لا يرضاه متكلمة الصابئين‏.‏

وإنما حدثت هذه المقالات بحدوث دولة التتار وإنما كان الكفر الحلول العام أو الاتحاد أو الحلول الخاص‏.‏

وذلك أن القسمة رباعية لأن من جعل الرب هو العبد حقيقة فأما أن يقول بحلوله فيه أو اتحاده به وعلى التقديرين فإما أن يجعل ذلك مختصاً ببعض الخلق كالمسيح أو يجعله عاماً لجميع الخلق‏.‏

فهذه أربعة أقسام‏:‏ الأول‏:‏ هو الحلول الخاص وهو قول النسطورية من النصارى ونحوهم ممن يقول‏:‏ أن اللاهوت حل في الناسوت وتدرع به كحلول الماء في الإناء وهؤلاء حققوا كفر النصارى بسبب مخالطتهم للمسلمين وكان أولهم في زمن المأمون‏.‏

وهذا قول من وافق هؤلاء النصارى من غالية هذه الأمة كغالية الرافضة الذين يقولون أنه حل بعلي بن أبي طالب وأئمة أهل بيته وغالية النساك الذين يقولون بالحلول في الأولياء ومن يعتقدون فيه الولاية أو في بعضهم كالحلاج ويونس والحاكم ونحو هؤلاء‏.‏

والثاني‏:‏ هو الاتحاد الخاص وهو قول يعقوبية النصارى وهم أخبث قولاً وهم السودان والقبط يقولون أن اللاهوت والناسوت اختلطا وامتزجا كاختلاط اللبن بالماء وهو قول من وافق هؤلاء من غالية المنتسبين إلى الإسلام‏.‏

والثالث‏:‏ هو الحلول العام وهو القول الذي ذكره أئمة أهل السنة والحديث عن طائفة من الجهمية المتقدمين وهو قول غالب متعبدة الجهمية الذين يقولون أن الله بذاته في كل مكان ويتمسكون بمتشابه القرآن كقوله ‏)‏وهو الله في السموات وفي الأرض‏(‏ وقوله ‏)‏وهو معكم‏(‏ والرد علىهؤلاء كثير مشهور في كلام أئمة السنة وأهل المعرفة وعلماء الحديث‏.‏

الرابع‏:‏ الاتحاد العام وهو قول هؤلاء الملاحدة الذين يزعمون أنه عين وجود الكائنات وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى من وجهين‏:‏ من جهة أن أولئك قالوا أن الرب يتحد بعبده الذي قربه واصطفاه بعد أن لم يكونا متحدين وهؤلاء يقولون ما زال الرب هو العبد وغيره من المخلوقات ليس هو غيره ‏)‏والثاني‏(‏ من جهة أن أولئك خصوا ذلك بمن عظموه كالمسيح وهؤلاء جعلوا ذلك سارياً في الكلاب والخنازير والقذر والأوساخ وإذا كان الله تعالى قال ‏)‏لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم‏(‏ الآية‏.‏

فكيف بمن قال أن الله هو الكفار والمنافقون والصبيان والمجانين والأنجاس والأنتان وكل شيء وإذا كان الله قد رد قول اليهود والنصارى لما قالوا ‏)‏نحن أبناء الله وأحباؤه‏(‏ وقال لهم ‏)‏قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق‏(‏ الآية‏.‏

فكيف بمن يزعم أن اليهود والنصارى هم أعيان وجود الرب الخالق ليسوا غيره ولا سواه ولا يتصور أن يعذب إلا نفسه وأن كل ناطق في الكون فهو عين السامع كما في قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت بها أنفسها ‏"‏ وإن الناكح عين المنكوح حتى قال شاعرهم‏.‏

واعلم أن هؤلاء لما كان كفرهم في قولهم‏:‏ أن الله هو مخلوقاته كلها أعظم من كفر النصارى بقولهم ‏)‏أن الله هو المسيح بن مريم‏(‏ فكان النصارى ضلال أكثرهم لا يعقلون مذهبهم في التوحيد إذ هو شيء متخيل لا يعلم ولا يعقل حيث يجعلون الرب جوهراً واحداً ثم يجعلونه ثلاثة جواهر ويتأولون ذلك بتعدد الخواص والأشخاص التي هي الأقانيم والخواص عندهم ليست جواهر فيتناقضون مع كفرهم كذلك هؤلاء الملاحدة الاتحادية ضلال أكثرهم لا يعقلون قول رؤوسهم ولا يفقهونه وهم في ذلك كالنصارى كلما كان الشيخ أحمق وأجهل كان بالله أعرف وعندهم أعظم ولهم حظ من عبادة الرب الذي كفروا به كما للنصارى‏.‏

هذا ما دام أحدهم في الحجاب فإذا ارتفع عن قلبه وعرف أنه هو فهو بالخيار بين أن يسقط عن نفسه الأمر والنهي ويبقى سدى يفعل ما أحب وبين أن يقوم بمرتبة الأمر والنهي لحفظ المراتب وليقتدي به الناس المحجوبون وهم غالب الحق‏.‏

ويزعمون أن الأنبياء كانوا كذلك إذ عدوهم كاملين‏.‏

  فصل مذهب هؤلاء الاتحادية كابن عربي وابن سبعين

مذهب هؤلاء الاتحادية كابن عربي وابن سبعين والقونومي والتلمساني مركب من ثلاثة مواد‏:‏ سلب الجهمية وتعطيلهم ومجملات الصوفية وهو ما يوجد في كلام بعضهم من الكلمات المجملة المتشابهة كما ضلت النصارى بمثل ذلك فيما يروونه عن المسيح فيتبعون المتشابه ويتركون المحكم وأيضاً كلمات المغلوبين على عقلهم الذين تكلموا في حال سكر ومن الزندقة الفلسفة التي هي أصل التجهم وكلامهم في الوجود المطلق والعقول والنفوس والوحي والنبوة والوجوب والإمكان وما في ذلك من حق وباطل‏.‏

فهذه المادة أغلب على ابن سبعين والقونوي والثانية أغلب على ابن عربي ولهذا هو أقربهم إلى الإسلام والكل مشتركون في التجهم‏.‏

والتلمساني أعظمهم تحقيقاً لهذه الزندقة والاتحاد التي انفردوا بها وأكفرهم بالله وكتبه ورسله وشرائعه واليوم الآخر‏.‏

وبيان ذلك أنه قال‏:‏ هو في كل متجل بوحدته الذاتية عالماً بنفسه وبما يصدر عنه وأن المعلومات بأسرها كانت منكشفة في حقيقة العلم شاهداً لها‏.‏

فيقال له‏:‏ قد أثبت علمه بما يصدر منه وبمعلومات يشهدها غير نفسه ثم ذكرت أنه عرض نفسه على هذه الحقائق الكونية المشهودة المعدودة فعند ذلك عبر ‏"‏ بأنا ‏"‏ وظهرت حقيقة النبوة التي ظهر فيها الحق واضحاً وانعكس فيها الوجود المطلق وأنه هو المسمى باسم الرحمن كما أن الأول هو المسمى باسم الله وسقت الكلام إلى أن قلت‏:‏ وهو الآن على ما عليه كان فهذا الذي علم أنه يصدر عنه وكان مشهوداً له معدوماً في نفسه هو الحق أو غيره فإن كان الحق فقد لزم أن يكون الرب كان معدوماً وأن يكون صادراً عن نفسه ثم أنه تناقض‏.‏

وإن كان غيره فقد جعلت ذلك الغير هو مرآة لانعكاس الوجود المطلق وهو الرحمن فيكون الخلق هو الرحمن فأنت حائر بين أن تجعله قد علم معدوماً صدر عنه فيكون له غير وليس هو الرحمن وبين أن تجعل هذا الظاهر الواصف هو إياه وهو الرحمن فلا يكون معدوماً ولا صادراً عنه وإما أن تصف الشيء بخصائص الحق الخالق تارة وبخصائص العبد المخلوق تارة فهذا مع تناقضه كفر من أغلظ الكفر وهو نظير قول النصارى اللاهوت الناسوت‏.‏

لكن هذا أكفر من وجوه متعددة‏.‏